متنفَّس عبرَ القضبان ( 1 )

Share on facebook
Share on google
Share on twitter
Share on linkedin

حسن عبادي / محامي من حيفا

بدأت مشواري التواصليّ مع أسرى أحرار يكتبون رغم عتمة السجون في شهر حزيران 2019؛ تبيّن لي أنّ الكتابة خلف القضبان متنفّس للأسير، ودوّنت على صفحتي انطباعاتي الأوليّة بعد كلّ زيارة؛ 

عقّبت الأسيرة المحرّرة عائشة عودة: ” كم أنت محظوظ بلقاءاتك مع مناراتنا خلف القضبان وفي العمق الفلسطيني، ومع من يقدح الصوان لينير العقول والنفوس والطرقات”.

وعقّبت الكاتبة شوقية عروق منصور: “من الصعب أن تقرأ سيرتهن لكن الواقع الاحتلالي يحمل في طياته قصصا سيجعل التاريخ ينحني ألما لفظاعة تفاصيله ..شكرا لك صديقنا على تحطيم بعض القضبان واطلاق سراح تلك الوجوه التي تحاول زرع الفرح رغم قسوة الظروف”.

“إنضحك علينا”

التقيت بالأسير أمجد أحمد عيسى عبيدي (معتقل منذ 07.11.2003) صباح الاثنين 11.04.2022 في سجن شطة (أقيم السجن على أنقاض قرية شطة المدمّرة والمهجّرة، في منطقة وادي جالود، بالقرب من سجن جلبوع، على بعد 10 كم شمال غرب بيسان(؛ رافقَت اللقاء الكثير من الضحكات التي استفزّت السجّان الملازم.  

حدّثني عن الأجواء الرمضانيّة داخل السجن، وعن طقوس القراءة والكتابة  خلف القضبان، دراسته في الأسر للبكالوريوس في موضوع التاريخ (ما هو السبب الحقيقي لتأسيس منظمة التحرير الفلسطينيّة) والماجيستير في الاقتصاد (أثر القاعدة الفقهيّة، لا ضرر ولا ضرار على قانون العرض والطلب)، والحريّة في الإسلام، والشورى والحريّة/ النظري والعملي وما بينهما، والثورة التي طرحت تحرير وتمخّضت عنها أوسلو “إنضحك علينا، لو قالولنا هيك من الأوّل ما تعّبنا حالنا”، فهذه الحبسة الثامنة!

تناولنا مشروعه الثقافي؛ روايته “غريب في وطنه” التي صادرتها سلطة إمبراطوريّة رام الله ولاحقت النسخ التي وُزّعت كهدايا في قرية زبوبا، حكايا الأسر والأسرى، رواية التآخي المتخيّلة وبطلها أسير أمني مسيحي أحب مسلمة وتزوّجها ورحلة عذابه، قصص قصيرة تتناول الوضع في السجون وحالة السجناء، ومشروع رواية تجمع الكلّ الفلسطيني وأبطالها من كلّ الأطياف والمناطق، فكريًا وجغرافيًا، يجمعهم حبّ الوطن والحياة.

نقل عمّار الزبن صباح اليوم (حيث كان مرتّبًا اللقاء به)  أغاظني ولكن فسح المجال للقاء مطوّل مع أمجد، ورغم نقله كان حاضرًا معنا.  

“قرّرت أن لا أنكسر”

بعد لقائي بأمجد في سجن شطة أطلّ الأسير المقدسيّ زكريا مروان البكري (مواليد 14.06.2001)؛ تلازمه ابتسامة طفولية بريئة وخجولة، رتّبت اللقاء به بناء على توصية الصديق عمار، ليحدّثني بحرقة عن حرمانه الدراسة الثانويّة إثر الاعتقالات المتكرّرة منذ كان عمره 15 عامًا،  وهو يحاول الدراسة للتوجيهي عبر القضبان.  

حدّثني عن الأجواء الرمضانيّة داخل السجن، مقارنة مع حيّ الواد المقدسيّ، وعن القراءة المكثّفة في السجن والحلقات التثقيفيّة والتوعويّة لساعات طويلة كلّ يوم.

 تناولنا مشروعه الكتابيّ، بداية “سر حكاية القدس” التي كتبها بالعاميّة، وتلك كانت البداية، وطوّر لغته وأسلوبه ويعمل ليل نهار على كتابة رواية من وحي الأسر والمعاناة، من وحي تجربته وتجارب زملاء الأسر وحكاياتهم، تجارب مئات سنين الأسر، بحلوها ومرّها.

قرّر زكريا أن يتغلّب على السجن والسجان، قرّر أن لا ينكسر؛ قرّر أن يحوّل السجن من دائرة قهر مستمر إلى دائرة إنجاز وتعليم مستمر ليروي حكاية القدس الحقيقيّة.

لكما عزيزاي أمجد وزكريا كلّ التحيات، والحريّة القريبة لكما ولجميع أسرى الحريّة.

“ابتسامة طفوليّة عالقة”

التقيت بالأسيرة المقدسيّة ملك محمد يوسف سلمان (مواليد 2000 ومعتقلة منذ 09.02.2016) صباح الأحد 10.04.2022 في سجن الدامون الواقع في أعالي الكرمل؛ أطلّت مبتسمة تلك الابتسامة الطفوليّة التي ما زالت عالقة منذ لقائنا السابق.  

حدّثتني عن الأجواء الرمضانيّة داخل السجن، والتعلّم الجامعي خلف الجدران، وحلقات القراءة التي تشارك بها وآخرها رواية زغرودة الفنجان للأسير حسام زهدي شاهين. ومشاركة أماني حشيم فرحتها بإصدار كتابها، ومحاولات الكتابة نتاج دورة الكتابة الإبداعيّة التي نظّمتها الأسيرة منى قعدان للأسيرات، مشيرة لكتابات زميلتها روان “بتِكتب حلو”.

استفسرت عن صبايا الدامون اللاتي تحرّرن في الأشهر الأخيرة؛ وأخبرتها عن مشاركة خالدة جرار في الندوة الدولية للتضامن مع الأسيرة الفلسطينيّة التي نظمناها في التحالف الأوروبي لمناصرة أسرى فلسطين، ومشاركة ليان كايد في ندوة “ستُشرق” بمناسبة يوم الأسير الفلسطيني.  

حدّثتني عن الاستماع عبر الإذاعة مع زميلاتها لمشاركتي حول التبرّع والعطاء ضمن برنامج هايد بارك وما زالت تحلم بحلقة إذاعيّة/ تلفزيونيّة تتناول إصداراً لها.

وعدت الإدارة السماح باتصال هاتفي مع الأهل خلال هذا الأسبوع وينتظرنه بفارغ الصبر.

رغم طفولتها السليبة تؤمن بالحياة والحريّة.  

 “سأكون!

بعد لقائي بملك في سجن الدامون أطلّت الأسيرة المقدسيّة أماني خالد حشيم مبتسمة، وبدأت تحدّثني عن فرحتها المنقوصة للاحتفاء بصدور كتابها “العزيمة تُربّي الأمل”، وعن تكريم المحافظة والتنظيم، وعن الندوة والتكريم ضمن مبادرة “أسرى يكتبون” ومشاركة خالها أشرف والعائلة من الوطن والشتات، وعن لقاء شقيقات الربيع في جنين تزامنًا مع يوم المرأة/ الأم/ الأرض/ الأسير بدعوة من منتدى الأديبات الفلسطيني (مدى) الذي تخلّله إشهار كتابها  بمشاركة والديها.

حدّثتني عن طقوس الكتابة، مواجهة يوميّة مع ذاتها ومع زميلاتها، عرضت عليها فكرة كتاب “طقوس الكتابة خلف القضبان” بمشاركة أسرى يقبعون في زنازين الاحتلال وأسرى محرّرين، وأبدت رغبتها وحماسها للمشاركة.

حدّثتني عن أستاذها الجامعي، صديقي ناصر أبو خضير، وصارت أستاذة جامعيّة، “زميلة” له، وعن رغبتها بقراءة روايات عبد السلام صالح، والتحديّات التي تواجهها في مشروعها الكتابيّ الثقافيّ، “عليّ أن أكون أفضل أو لا أكون”، مصمّمة على أن تكون!

عبّرت عن انفعالها من لفتة “نشطاء من أجل أسيرات الدامون” والاحتفال بعيد ميلاد ابنها أحمد وإصدار كتابها ممّا أثلج صدرها.

لكما عزيزتيّ ملك وأماني كلّ التحيات، والحريّة القريبة لكما ولجميع حرائر الدامون.

“موجوعة” 

التقيت بالأسيرة إسراء رياض جعابيص صباح الثلاثاء  22.03.2022 في سجن الدامون، في أعالي الكرمل، اللقاء الرابع لنا في الأشهر الأخيرة، وحدّثتني بداية عن وضع أسيرات الدامون ووضعها الصحّي. 

عبّرت عن فرحتهن لسماع أم يافا عبر الإذاعة موصلة تحيّة لها ولوالدتها بمناسبة عيد الأم.

حدّثتني عن البحث الجندريّ الذي أعدّته، وعن مشروعها الكتابيّ؛ نيّتها التواصل مع ابتسام أبو ميالة ووليد الهودلي بخصوص كتابات للأطفال؛ “بمعنويات صغير وقفت” وتأمل أن يصدر قبل يوم ميلاد ابنها معتصم في السابع عشر من أيلول القادم.

وكذلك مخطوطة “موجوعة” التي نجحت في اختراق جدران الدامون، أخبرتها أنّني حوّلتها  لصديقي فراس ليهتم بتحريرها تطوّعًا، تحلم بإطلاقه يوم ميلادها (22.07) ووعدتها بكتابة مقدّمته، وسيرافقه معرض رسومات لمرح بكير.

 قرأت على مسامعي تغريدة جديدة:

“أسير وبأدب السجون خبير

سندباد على بساط الأحلام يسير

بكتب بقلمه ليسافر لأرض الضمير

ثائر وللثورة ثواّر بثير 

بحروف على السطور تطير

يوثّق أحداثًا بالوصف والتعبير”.

“دورة مخلّلات”

بعد لقائي بإسراء، التقيت الأسيرة منى حسين قعدان، وبعد التحيّة وإيصال السلامات حدّثتها عن صدور الطبعة الثانية من “ترانيم اليمامة” وحفل إطلاقه وندوة مرتقبة حوله في نابلس وأعربت عن رغبتها بمشاركة العائلة ومداخلة لها ضمن البرنامج.

حدّثتني عن التعليم داخل السجن وأهميّته للأسيرات، مرافقتهن ومواكبة تقدّمهن، حياة الأسير وحساسيّته المفرطة  والحالات النفسيّة التي تأثّر على الحياة اليوميّة.

خبّرتني عن طبخة اليوم، ملفوف محشي، وعن دورة صناعة المخلّلات تحضيرًا لرمضان، مخلّل باذنجان ومخلّل جزر وفلفل ووعدَت الصديق قدري أبو واصل بأكلة كبّة بس تروّح. 

حدّثتني عن اهتمامها بالكتابة، وتجربتها الاعتقاليّة (هذا الاعتقال السادس لها)، كلّ اعتقال له ميزته وخصوصيّته من حيث التعامل مع الإدارة/ الأسيرات/ ظروف التحقيق وغيرها، فيوم 12.04 ستكمل تسع سنوات (مقطّعة) في الأسر، وهناك شئون اجتماعية يجب تناولها، أسيرات قاصرات يبلغن وراء القضبان وفقد الأعزّاء دون وداع وغيرها.

أخبرتها عن دعوتي لحفل زواج صالح أبو مخ ففرحت له كثيرًا، كم تمنّت لو كانت مع المحنيّات، وطلبت إيصاله مباركة من كلّ حرائر الدامون. 

“بدّي أحضن ولادي”

بعد لقائي بإسراء ومنى، التقيت الأسيرة المقدسيّة فدوى كامل حمادة، أطلّت بخطى متثاقلة وابتسامة طفوليّة خجولة، متردّدة، عرّفتها بنفسي فانفرجت أساريرها.

قبل أسبوعين بعث لي منذر طلب صداقة، فحصت الصفحة قبل قبول الطلب، فوجئت ببروفايله “زوج الأسيرة المقدسيّة فدوى حمادة” فقرّرت زيارتها.

كانت فدوى مكلبشة الأيادي كلّ اللقاء (للمرّة الأولى منذ بدأت مشواري التواصلي مع الأسرى ترفض سلطة السجون فكّ الكلبشات)، طمأنتها على زوجها وأولادها الخمسة: حمادة، سدين، محمد، أحمد-آدم ومريم. كانت مريم رضيعة حين اعتقال والدتها (12.08.2017) وفدوى تعاني من حرمانها احتضان أولادها ساعة الزيارة.

تعاني فدوى من مرض الصدفيّة والجلد (ربّما عدوى أصابتها في الأسر، على حدّ قولها)، وفي الأشهر الأخيرة تضاعف وزنها لسبب غير مبرّر وسلطة السجون تحرمها من العلاج. 

العقوبات والتقييدات مستمرّة، كغيرها من زميلاتها المقدسيّات، لم تكسرها، والضحكة الطفوليّة تلازمها، رغم القيود وتحلم باحتضان أطفالها. 

لكن عزيزاتي إسراء ومنى وفدوى كلّ التحيات، والحريّة القريبة لكن ولجميع حرائر الدامون.

“فسحة أمل”  

التقيت الأسير عماد محمد أحمد السرّاج [1] ظهر الأحد 20.03.2022، في سجن ريمون الصحراوي مباشرة بعد لقائي بمحمد الحلبي وأسامة الأشقر.

بدا عليه متفاجئًا جدًا من اللقاء، عرفني عبر شاشة التلفزيون ومن أحاديث زملائه، أخبرته بأنّ الزيارة ترتّبت بناءً على طلب الصديق الغزّاوي هاني مصبح، ناشط في التحالف الأوروبي لمناصرة أسرى فلسطين و”تضامن” المؤسسة الدولية للتضامن مع الأسرى التي أطلقت مشروع “لمسة وفاء لأسرانا الأبطال” وتقوم بزيارة عائلات الأسرى في قطاع غزة، وقاموا بزيارة والدة الأسير المحرر الحاجة أم عصام المنيراوي وسلّموها درعًا وعليه اسمه فانفعل جدًا لأنّ هناك من يذكره.

توفّى والداه وهو خلف القضبان، وأخته سناء/أم محمود ممنوعة من الزيارة، وهو ممنوع زيارات منذ سنوات، وبقي “مقطوع من شجرة”.

حدّثني عن الحياة عبر القضبان، التحضيرات الأخيرة للإضراب الكبير عن الطعام بعد أيّام قليلة، وهو من جهته قلع طاحونته لئلّا تكون عائقًا بينه وبين مشاركته وزملائه في الإضراب.

 طلب منّي إيصال رسالة شكر وتحيّة للتحالف ولكلّ من يؤازر الأسرى ويهتم بقضاياهم مناشدًا العمل الجاد على تحرير جثامين الشهداء عامّة والأسرى خاصّة من ثلاجات الاحتلال، والاهتمام بأطفال القدس الذين يتعرّضون للحبس المنزلي.

عبّر عن فرحته وسعادته باللقاء والاهتمام به، بعد أن فكّر أنّه منسي، واصفًا إيّاه “فسحة أمل”.

إشهار في قنّير”  

التقيت الأسير ناصر جمال موسى الشاويش  [2]ظهر اليوم في سجن ريمون الصحراوي مباشرة بعد لقائي بمحمـد الحلبي وأسامة الأشقر وعماد السراج.

أطلّ  بنظرة خجولة وبدأ يعتذر لأنّه أخبر السجان رفضه مقابلة المحامي وحين أعلمه أسامة مَن المحامي الذي طلبه غيّر وبدّل رأيه وأقام “ميمعة” في القسم ليجبر السجّان على مرافقته للقاء بي فاستغربت من تصرّفه فأخبرني: “فكّرت محامي الوزارة أو الهيئة وشفتها إهانة!”؟ وأتبع قائلًا: وأخيرًا التقينا.

طمأنني عن صحّته بعد الذبحة القلبيّة التي ألمّت به “صرت زي الحصان”، وحدّثني عن رحلته مع الشعر والرسم؛ إصداراته الأولى؛ “طقوس تمّوزيّة”، “للقيد ذاكرة وخنجر”، و”ذاكرة البنفسج” وله قصائد بصوته  وحين صدر الديوان الأول شعر و”كأنّي روّحت”.

درس التوجيهي في الأسر، وكذلك بكالوريوس في العلوم السياسية وماجستير في الدراسات الإسرائيليّة.

تناولنا مشروعه الثقافي،  فالكتابة تنفض عنه غبار السجن، ويكتب المخطوطة 7-8 مرات خوفًا من مصادرتها أو ضياعها في طريقها إلى خارج السجن، ومخطوطته الأخيرة تحمل عنوان ” أنا سيد المعنى”.

حيفا عشق طفولته ولكن حلمه أن يكون حفل إطلاق وإشهار ديوانه القادم على أراضي قرية قنّير المُهجّرة.

حين افترقنا أخبرني السجّان أن أحمد يرفض مقابلة المحامي فغادرت السجن مع غصّة في الحلق…

تواعدنا على لقاء في حفل الإشهار قريبًا في قنّير. 

لكما عزيزيّ: عماد وناصر  أحلى التحيّات، وعلى أمل بحريّة قريبة لكم ولكافّة أسرى الحريّة.

حيفا  آذار 2022

============

الهوامش:

[1] الأسير عماد محمد أحمد السرّاج، أُعتقل يوم  21.06.2004 حكمت المحكمة العسكريّة الإسرائيليّة بحقّه حكماً بالسجن المؤبد مدى الحياة.

 [2]الأسير ناصر جمال موسى الشاويش، أُعتقل يوم 02.06.2002، حكمت المحكمة العسكريّة الإسرائيليّة بحقّه حكماً بالسجن المؤبد 4 مرّات.

عيد ميلاد آخر خلف القضبان

كنت شاهدًا على محكمة القرن يوم الثلاثاء 15.02.2022 في المحكمة العليا في مدينة القدس للجلسة رقم 168 وبطلها الأسير المعتقل محمد خليل محمد الحلبي [1]، إنّ تمديد اعتقاله منذ  15.06.2016 ولم يصدر حكمٌ بحقه مشهد ما زال يلاحقني مذّاك، ويطلّ على شاشة هاتفي وصفحتي كلّ صباح منشور آخر من والده فكان لا بدّ من ترتيب لقاء آخر معه.

غادرت حيفا السادسة صباح الأحد 20.03.2022، برٍفقة الصديق مصطفى نفاع، لزيارته في سجن ريمون الصحراويّ. بعد مشقّة سفر طال أربع ساعات أطلّ عبر الممّر الطويل مبتسمًا تلك الابتسامة الواثقة ليصافحني عبر الحاجز الزجاجيّ الفاصل المقيت.

حدّثني عن القسم “المختلط”، شكلّ لقاء الكلّ الفلسطيني بتعدّديّته الجغرافيّة والفكريّة والدينيّة، وتعليم الماجستير والنقاش بين الطلّاب الأسرى حول الفترة العثمانيّة، هل هو احتلال أم خلافة أم وجود تركي كحلّ وسط؟

حدّثني عن بداية الاعتقال، لم يهتم حينه بشئون الأسرى، سيناريو السجن صفر، والتقى قبيل اعتقاله بكمال الشرافي وأشرف العجرمي وسفيان أبو زايدة وأحاديثهم حول الأسرى والسجون كانت بالنسبة له طلاسم لأنّ جلّ اهتمامه كان يصبّ في تجنيد الموارد والمساعدات الماليّة للأهالي المنكوبين في غزة.

تحدّثنا عن الإهمال الطبّي في السجون والمماطلة في العلاج ورفض الأطبّاء تسجيل ما يقوله المريض وما يشتكي   منه  جاعلًا ملفّه “أبيض”.

هناك ضرورة ملحّة  لأنسنة قضيّة أسرانا  وهذا ما سيقوم به حال تحرّره، ومحاولات ابتزاز اعترافٍ ما لتحريره والصفقات المشبوهة مرفوضة لأنّ هدفها تبييض وجه الاحتلال وجهازه القضائي. 

لو عادت عجلة الزمن عبر (re start) وفرمتة ليوم الاعتقال لاختار نفس الطريق والموقف لإيمانه بعدالة قضيّته.

يثمّن محمد دور التحالف الأوروبي لمناصرة أسرى فلسطين ووقفتهم إلى جانبه، وكذلك كلّ المناصرين له ولملفّه من كلّ من أرجاء المعمورة، ممّا يمدّه بالقوة ويرفع معنويّاته.

تحدثنا عن إهمال ملف الأسرى وأهميّة الدور الذي يقوم به والده وحبّذا لو يحذو أهالي الأسرى حذوه ليبقى ملف الأسرى الحارق على المحكّ، في كلّ المحافل وكلّ الوقت.

عيد ميلاد آخر (02.04)، والمتضامنون في استراليا، وريتال وإخوتها،  يستعدّون للاحتفال به ومحمد خلف القضبان.

“نافذة للحياة”  

التقيت الأسير أسامة محمد علي الأشقر [2] مباشرة بعد لقائي بمحمد الحلبي. 

تحدّثنا بدايةً عن نشاط التحالف الأوروبي لمناصرة أسرى فلسطين والحراك الثقافي لأدب الحريّة ومستجدّاته وأثرها، وسولفنا عن الأصدقاء صلاح أبو لاوي، أحمد أبو سليم، عبد السلام صالح، محمد مشّة، نسب حسين وغيرهم ومبادرة أسرى يكتبون ولكلّ أسير كتاب وغيرها، فهو متابع نهم للمشهد الثقافي وخاصّة بما يخصّ أدب السجون.

تناولنا أهميّة الدور الذي تقوم به خطيبته منار، مثلها مثل نسيم، كمال، يوسف، نضال وغيرهم لتبقى حروف الأسرى وكلماتهم محلّقة في فضاء الحريّة.

تداولنا فكرة لكلّ أسير قصّة وحكاية، وأهميّة نشرها لتكتمل الفسيفساء، وضرورة “مُحاسبة” الأسير الكاتب بعد الإصدار الأوّل، ومشروعه القادم (مقالات وخواطر)، وغيرها.

ناقشنا فكرة كتاب الرسائل وما يقوم به الصديق الكاتب محمود شقير لتحريره؛ تلك الرسائل التي بعثها أسامة لتحريك قضيّة الأسرى والاهتمام بها، وردود الفعل ممّن راسلهم وكاتبهم.

كان عصفًا ذهنيًا مثيرًا، وباغتني حين وصفه ساعة حان موعد الفراق “نافذة للحياة”. 

في طريقه أخبرني بأنّ أحد زملائه الأسرى يرفض اللقاء بي.

لكم أعزائي: محمد وأسامة  أحلى التحيّات، وعلى أمل بحريّة قريبة لكم ولكافّة أسرى الحريّة.

حيفا  آذار 2022

============

الهوامش:

[1] الأسير محمد خليل محمد الحلبي، من مواليد 1978، أُعتقل يوم  15.06.2016 ولم يصدر حكمٌ بقضيّته بعد.  

[2] الأسير أسامة محمد علي الأشقر من مواليد 1982، أُعتقل يوم 14.11.2002، حكمت المحكمة العسكريّة الإسرائيليّة بحقّه حكماً بالسجن المؤبد 8 مرّات  و 50 عامًا.

“أنشودة الوداع”

للمرّة الأولى منذ بدأت مشواري التواصليّ مع أسرى يكتبون قرّرت إبطال لقاءات مقرّرة لتعكّر مزاجيّ، ولكن فيّقتني زوجتي سميرة الساعة الخامسة والنصف صباح الخميس، 24.02.2022 قائلة: “باسم موعود فيك”، فجهّزت نفسي على عجل، وإذ بصديقي مصطفى نفاع بانتظاري ليرافقني في طريقي الطويلة الشاقّة إلى سجن ريمون الصحراوي، حال وصولي التقيت الأسير يحيى محمد نايف حج حمد؛ أمسك السمّاعة ليستفسر عن أفراد عائلتي وعن حيفا، وكأنّنا عِشرة عُمر.

كان طالبًا في كليّة الهندسة في جامعة النجاح وفي القدس المفتوحة قبل اعتقاله ليحكم بالسجن ويُهدم بيته وبيت عائلته (الطابق الثاني والثالث في العمارة، وعملت قوات الاحتلال على إبقاء الطابق الأوّل والرابع  ليكونا شاهدين على الجريمة)، وئدوا حلم الطُلبة ذات اليوم، ورغم ذلك لم تحبط عزيمته وحصل على البكالوريوس علوم سياسية وصحافة وإعلام خلف القضبان، وها هو ينهي الماجستير في أساليب تدريس تربية إسلامية واقتصاد إسلامي.

رتّب يوم تصوير مع والديه بعد مماطلة طويلة من إدارة السجن بحجّة عطل الكاميرا، وصباحيّة زيارة التصوير توفيّ الوالد وحضرت الوالدة وحدها لتتصوّر مع فلذة كبدها ولم تشارك جنازة زوجها/ والده، ورغم أنف السجان نجح يحيى بالمشاركة بجنازة الوالد عبر أنشودة رثاء خلال الجنازة والسمّاعة في أذن أبيه الميّت.

 تناولنا مشروعه الأدبي، ديوانه “قِبلة الأبطال” ومنه حوالي 20 قصيدة مغنّاة، والرواية التي يعمل على كتابتها، وتحدّثنا عن محاولات كيّ الوعي وصهره، ومحاولات المحتلّ البائسة لقولبتنا على مقاسه، فإذا سيطر على وعي الناس انتصر.

تحدّثنا عن أهميّة القراءة ووعدته بإيصاله عشرات الكتب في الشهر القادم.

“لقاء الأحرار”

حين انتهيت من لقاء يحيى  أطلّ الروائي الأسير باسم محمد صالح أديب خندقجي وكانت فرصة ليلتقيا ويتعارفا وكم تمنيّت أن أكون ثالثهم في ذاك الاحتضان. 

رتّبت اللقاء للاطمئنان عليه حال سماعي أنّه بدأ إضرابًا عن الطعام؛ أخبرني أنّه علّق إضرابه بناءً على توجّه قادة الحركة الأسيرة. وعقب هذا تمّت حملة تفتيش من وحدات اليماز واليمار/ درور وصودرت بعض النصوص الأدبية والأمور الشخصية وعاثوا بزنزانته خرابًا.

أوصلني سلامات أسامة الأشقر الحارّة وزملاء القسم.

أخبرني أنّه بصدد التحضير لدراسة الدكتوراه مباشرة بعد حصوله على الماجستير الشهر المقبل، ومعنويّاته عالية جدًا. يا جبل ما يهزّك ريح.

ناقشنا محاولات التطبيع المشبوهة وترتيب لقاء له مع أدباء من “اليسار الصهيوني” داخل السجن وهو أمر مرفوض جملة وتفصيلًا.

تناولنا مشروعه الثقافي ومستجدّاته؛ فكرة ترجمة كتابه الجديد “السيرة لكائنات كولونياليّة” إلى العبريّة  للردّ على الاستعمار بالكتابة والسرد، وروايته “محنة المهبولين” إلى الفرنسيّة.

طلب إيصال جزيل شكره  لكلّ من شارك في حملة التضامن المحلية والدولية معه.

وعلى أمل أن نلتقي في حيفانا؛ امرأة الهويّة والدهشة التي تشتهيها، فهي التي تسكنك، امرأة من وطن ووطن بلا امرأة. 

هذا وأصدر الاتحاد العام للكتاب الفلسطينيين الكرمل 48 بيانًا يستنكر اقتحام زنزانته  والاعتداء عليه ومصادرة نصوصه الروائية.

“قرّبت لمّة البلكون”

حين قارب لقائي بباسم على نهايته أطلّ الصديق الأسير كميل أبو حنيش، ترافقه ابتسامته السرمديّة وثلّة من الحرّاس (لكونه “س.غ.ب”؛ “أسير مع احتمال كبير للهرب”، حسب أعراف سلطة السجون الاحتلاليّة، ترافقه الكلبشات المدمّجة، كلبشات بالأيدي وأخرى في الأرجل وجنزير يربطهما!) وكانت فرصة ليلتقي باسم وكميل بعناق دافئ طويل، وكم تمنيّت أن يكون هذا اللقاء في براندة الحريّة الحيفاويّة كما تواعدنا مرارًا وتكرارًا.

انقضّ على السمّاعة ليستفسر عن زوجتي سميرة وبناتي وأحفادنا (يذكر الأسماء فردًا فردًا) وحيفا وأخبار الأصدقاء المشتركين، أسامه ومصطفى وفراس ورائد وناصر وغيرهم، ويسألني إذا مصطفى نفاع برفقتي؟

حدّثني عن اعتكافه وعزلته الاختياريّة، التنكيل والتضييقات اليوميّة؛ تغيير الزنزانة كلّ أربعة شهور، تغيير القسم كلّ 16 شهرا، ونقله لسجن آخر كلّ 32 شهرا. وتألّمت حين أخبرني بأوجاع في يُمناه ووعدته أن أفحص ملفّه الطبّي وإمكانيّة ترتيب زيارة طبيب خاص، وتزعجه صعوبة الكتابة.

تحدّثنا عن إطلاق وإشهار “الجهة السابعة” بمعرض الكتاب الدولي بعمان وحفل التوقيع نيابة عنه وأخبرته أنّها في طريقها للبلاد وستوزّعها دار الشامل النابلسية، وعن تقدّم عمله الروائي القادم؛ بيت افتراضي تبنيه الجليلة ومصطفى ببيّارات البرتقال في قرية بيت دجن الأصليّة.

حدّثني عن إنجاز وإتمام دراسته حول صديقنا فرناندو بيسوا.   

تؤلمه الأخطاء المطبعيّة في إصداراته، وكأنّه بديوانه “على شاكلة الفجر” مولود مشوّه ومعاق وبحاجة لعلاج مكثّف.

لكم أعزائي: يحيى وباسم وكميل أحلى التحيّات، وعلى أمل بحريّة قريبة، ننتظر اللقاء الموعود بكم في رحاب بلكون الحريّة الحيفاوي قبالة بحر حيفا.

                                                                                        حيفا  شباط 2022

شمس في الزنزانة

التقيت صباح  اليوم، الاثنين 31.01.2022، في باستيل الدامون بالأسيرة المقدسيّة أماني خالد حشيم، أطلّت مبتسمة تلك الابتسامة العريضة، لتخبرني أنّها كانت مصابة بالكورونا وتعافت وكلّ الصبايا “طلعن من الكورونا” وفُتح القسم صباح اليوم.

عبّرت عن فرحتها لصدور كتابها “العزيمة تُربّي الأمل”، وانفعالها لسماع نبرة صوت والدتها عبر الإذاعة حين زفّت لها بشرى صدوره، وكذلك ردّ فعل زميلات الأسر، وخاصّة عفويّة ملك التي بادرت قائلة لها حين سماع التقرير حول صدوره: “مبسوطة لك وفخورة بك، لأنّك أوّل أسيرة بطلِّع كتاب وهي خلف القضبان”.

كما وأعربت عن سعادتها لسماع أصداء صدور الكتاب والتقارير حوله، وما كتبه الناقد رائد الحواري والروائي مصطفى عبد الفتاح.

وجّهت شكرها لكلّ من ساهم في إصدار الكتاب، وخصّت بالذكر سوسن حج محمد على طباعة المخطوطة، الكاتب فراس حج محمد على الإعداد والتحرير والفنّان ظافر شوربجي على تصميم الغلاف والكتاب.

 أخبرتها عن حفل عيد الميلاد الجماعي من ترتيب “نشطاء من أجل أسيرات الدامون” الذي سيشمل أيضًا الاحتفال بعيد ميلاد أحمد وإصدارها.

أعربت عن رغبتها بندوة حول كتابها ضمن مبادرة “أسرى يكتبون” لتفخر به أمام خالها أشرف وأستاذها د. محمود خلف.

حدّثتني عن نادي القرّاء في الدامون؛ الكتب للحلقات القادمة: “رسائل إلى قمر” لحسام زهدي شاهين، “أسرى وحكايات” لأيمن الشرباتي (المواطن) و”منارات في الظلام” لحسن الفطافطة.

حدّثتني عن مشروعها القادم “شمس في الزنزانة”. 

فراق دون وداع

بُعيد لقائي بأماني أطلّت عليّ الأسيرة المقدسيّة إيمان نعيم الأعور، وحين وصلت الممرّ بادرت قائلة: “كان عندي إحساس إنّك جاي اليوم تخبّرني عن إمّي”؛ هات خبّرني التفاصيل. “رسالة ابنتها هيام: هي توفت وهي بالبيت الساعة ١٠ ونص بالليل،  جلطة فجائية، وتوفت بسرعة.  صلّت كل صلاتها وتترضى ع الكل وتدعي لأمي وتقول بدها تحنّي شعرها بس تطلع من السجن وكانت منيحة وعندها اختها أمل طول نهار وقالت بالليل بدي أنام وتوفت مباشرةً بعد ما قالت بدي أنام”.

حدثّتني عن والدتها (التي كانت حاضرة وروحها كلّ اللقاء، رحمها الله)، كيف كانت تخيط الأعلام على مدار الساعة خلال الانتفاضة الأولى، تحضّر سلّات الأكل للشباب، تأمّن المأوى والمخبأ لشباب الانتفاضة، تهتمّ بكلّ صغيرة وكبيرة، تشجّع الأبناء والأحفاد ليتّخذ كلّ منهم دوره ولا يتقاعس، حتى بعد استشهاد ابنها واعتقال الأولاد والأحفاد، خنساء من خنساوات فلسطين.

خبّرتني “حلمت بأمّي قبل أربع ليالي(ليلتان قبل وفاتها)، حضنتني كعادتها وشمّيت ريحتها وصحيت ع الريحة، مش متخيّلة أزورها في التربة”.

حدّثتني عن فكرة تختمر في ذهنها، كتاب عن أمّها نعيمة ودورها.. ووالدها نعيم.

كم هي بحاجة لصوت وصورة أخوتها في هذه الساعات، ولو عبر شاشة التلفزيون، وهذا أضعف الإيمان.

ما أصعب فقدان قريب وحبيب، دون وداع، وأنت خلف القضبان.

طلبت إيصال شكرها لكلّ من عزّاها بوفاة والدتها.

“كعك في السجن”

بعد انتهاء لقائي بأماني وإيمان  أطلّت نورهان إبراهيم خضر عواد (مواليد 1999 ومعتقلة منذ 23.11.2015!!) ضاحكة، لتخبرني أنّ اليوم عيد للأسيرات، كانت مصابة بالكورونا مع 14 أخريات من زميلاتها والكلّ معافى واليوم تمّ فتح القسم واللقاء الأوّل لهن مع محامي منذ العاشر من يناير، على حدّ قولها.

حدّثتني عن غرفة 11 وعلاقتها بها، ارتبطت بها وعزّ عليها فراقها، وعن العدد المقيت وطقوسه (أربع مرّات في اليوم) وعن التعلّم في الأسر. 

نورهان تواظب على القراءة بالعبريّة، وتنمّي مواهب الطهي وصناعة الكعك مع المواد المُتاحة، الطحين ممنوع في السجن فلجأت لطحن “بسكوت الشاي” لكعكة البرتقال/ الليمون/ الجزر، وأخبرتها عن مشروع كتاب الصديق عبد الكريم زيادة حول الطبيخ في السجن فرحّبت بفكرة أن يكون مشتركًا حيث تكتب عن صناعة الحلويّات في السجن.

سلبها الطفولة وحرمانها من شبابها، هي زنبرك السجن، لم يُحبط عزيمتها وابتسامتها وأملها بغدٍ مشرق آملة بحُريّة وغدٍ أجمل لفلسطين.. ولها.  

لكُنّ عزيزاتي: أماني، إيمان، نورهان، أحلى التحيّات، الحريّة لكُنّ ولجميع رفاق ورفيقات دربكُن الأحرار.


كانون ثاني 2022

شاهد على محاكمة القرن

انعقدت يوم الثلاثاء 15.02.2022 الساعة الثالثة بعد الظهر  في المحكمة العليا في مدينة القدس الجلسة رقم 168 وبطلها الأسير المعتقل محمد خليل محمد الحلبي. حضرت الجلسة بعد تواصل مع والده وكممثّل عن التحالف الأوروبي  لمناصرة أسرى فلسطين، وترافقني صورة ابنته الطفلة ريتال، وتغريدة جاء فيها: “هذا الصباح أبكت كل أخواتها ووالدتها عندما  قالت فجأة : والله انسيت ملامح ابويا)… فحملت صورته وبكت الصغيرة”!

اعتقل محمد يوم 15.06.2016 ومحاكمته في مركزيّة بئر السبع ما زالت مستمرّة مذّاك، جلسة تلو الأخرى في درب الآلام، وهدف النيابة ابتزاز اعترافٍ ما، ولكنّه قرّر ألّا يساوم على الحقّ، وحين “فاوضته” النيابة العامة والمحكمة على إطلاق سراحه شريطة أيّ اعتراف رفض تلك المساومة البائسة التي هدفها تبييض وجه الاحتلال وأجهزة مخابراته. 

أزاول مهنة المحاماة منذ عام 1984 وترافعت آلاف الجلسات، ولكن هذه الجلسة كانت مغايرة؛ تواجدت في قاعة المحكمة كشاهد عيان، استبسل محاميه ماهر حنا في دفاعه، وبالمقابل حضر ممثّل النيابة باستعراض شعاراتيّ واعترف بصريح العبارة أنّه غير مطّلع على حيثيّات الملّف، فالجلسة صوريّة لتثبيت أمر الاعتقال (وهذا من صلاحيّة المحكمة العليا فقط لطول فترة الاعتقال) وتاريخ إصدار الحكم لا يلوح في الأفق القريب.. ومحمد يعاني وحده خلف القضبان في زنازين ريمون الصحراوي.

ممّا يثلج الصدر صمود محمد وابتسامته في مواجهة المحكمة وحضور حوالي عشرين متضامنا أوروبيا قدموا لتأكيد دعمهم لمطلب إطلاق سراحه.

بعد انتهاء الجلسة شكر محمد كل المتضامنين وثمّن غاليًا دور التحالف وجهوده وخاصة لتدويل قضيته وإيصالها إلى مسامع الرأي العام الأوروبي والمحافل الدوليّة.

يؤمن محمد أنّ اعتقاله ومحاكمته هدفها وأد العمل الإنساني ووقف المساعدات الدوليّة التي تشكّل الرئة الوحيدة لتنفّس الأهل في غزة. 

هذا وأصدر التحالف بيانًا أكّد فيه ” أنّ هذه الممارسات الإسرائيلية خارجة عن كل القوانين والأعراف الدولية وإنما هي محاولات متكررة للاستمرار باعتقال الأسير لعدم وجود إثبات قانوني للتهم المزورة بحقه. ويطالب التحالف بإطلاق سراح الأسير البطل فورا ليعود إلى أطفاله وعائلته وأبناء شعبه.”

لك عزيزي محمد أحلى التحيّات، على أمل باحتضان خليل، وعاصم، وعمرو، وريتال، وفارس قريبًا،  والحريّة لك ولجميع أسرى الحريّة.

“كونسيرت عزف البيانو”

بُعيد نهاية محاكمة محمد توجّهت إلى بلدة شعفاط لسماع كونسيرت عزف على البيانو في بيت “الفنّان” ناصر الدين صبحي أبو خضير، وكان اللقاء معه مغايرًا؛ ففي لقائنا السابق التقيته في معتقل مجيدو سيئ الصيت، عبر القضبان، حيث زرته لأستمع لعزفه على البيانو تلبية لتوصية كميل! فضحك حينها بصوت عالٍ قائلًا: “عِمِلها كميل….؟!” 

ها هو قد تحرّر من اعتقاله الإداري المتكرّر، ولكنّه تحت الإقامة الجبريّة فممنوع من التحرّك بحريّة، والقيود كثيرة وثقيلة، ما زال يعاني من حالته الصحيّة (أُصيب بانفجار عبوة ناسفة يوم 31.03.1981 أدّت لبتر أجزاء من أصابعه وأجريت له عشرات العمليّات الجراحيّة، في الوجه والأنف والعينين) ومحروم من العلاج الطبّي.

أسمعني سيمفونيّة بطعم آخر؛ تحدّثنا الكثير عمّا يدور في ملعب الحركة الأسيرة، عن سجنه في نفس القسم مع محمد الحلبي، وعن الخذلان من التعامل مع ملّف الأسرى وفقدان البوصلة، والمال السياسي وأثره على إجهاض العمل الوطني وتقهقره، وعن أدبيّات الحركة الأسيرة وأهميّتها.

لك عزيزي ناصر أحلى التحيّات، على أمل أن نلتقي قريبًا على بلكون الحريّة في حيفا بصحبة كميل والشيبون وغيرهم من الأصدقاء المشتركين لتُسمعهم عزفًا حيًا على بيانو حقيقي.   

القدس/ حيفا  شباط 2022

“سلام لكلّ من يفكّر للحظة بِنا” 

التقيت صباح الخميس 30 كانون أوّل 2021 في سجن الدامون، قلعة في أعالي الكرمل السليب،  بالأسيرة إسراء رياض جعابيص مبتسمة لتوصل سلامات زميلاتها في الأسر، أوصلتها سلامات الوالدين ومعتصمها، طمأنتها على تخت تيماء وعرباية ملاك، وبدأت تحدّثني عن أحداث القمعة الأخيرة والاعتداء السافر على الأسيرات، والتغييرات داخل السجن، والعقوبات، والأسيرات الجديدات (إم ليث، عُبادة، عبير الرجبي، سعديّة الخليليّة، نفوذ القاصر “وردة القسم”).

تحدّثنا عن وضعها الصحي، والمماطلة في العلاج، والإهمال الطبّي و”تأمين الأسير”. الأمور في المعتقل من سيّئ إلى أسوأ وتطالب بالعلاج، “بدنا معيشة كريمة، لا غير”.

قرأت على مسامعي “كلمة أسيرة” ترغب في أن يقرأها سامر في برنامج “عمالقة الصبر” وجاء فيها:

“نحن الشامخون كالجبال نمضي سنين من أعمارنا في قبور وزنازين، نُبجّل ونُقدّر الحريّة ونستميت في التضحية لأجل أن يحيا الآخرون في سلام، ولأجل الأرض والعرض قدّمنا التضحيات.

ضحّينا للدفاع عن حقوق شعبنا، قد غاب عنّا، ونحن ما زلنا ها هنا قابعين، نُحاول أن نتناسى وجودنا عبر كتمان الألم والمعاناة متظاهرين أنّ المشقّة والمتاعب والمخاوف ستزول، ولكن عبثًا، نحن الأحياء في قبور أسّسها السجّان لتكون وِفق استطاعتنا في تحويل هذه القبور إلى جنان، نهرب من واقع الضجر إلى واقع الأحلام لنبني ونؤسّس جنّة الصمود”.

أخبرتني عن عقوبات الزيارات والكانتينا والترميم المزعوم في غرفة اللقاء بالأهل.

تناولنا كتاباتها وإمكانيّة إصدار قريب لها.

بعثَت سلاماتها لأم يافا، وسلام كنعان ومُنى.. ولكلّ من يفكّر للحظة من وقته بنا.

“قمعة قويّة ومعنويّات أعلى”

بعد لقائي بإسراء أطلّت الأسيرة ربى فهمي عاصي عبر ممرّات الدامون تلازمها ابتسامتها الشقيّة، وبعد التحيّة أمطرتني بوابل من التساؤلات عن الوضع خارج السجن بعد القمعة الأخيرة وكيف كان التعامل معها.

طمأنتها عن العائلة وأوصلتها سلامات والدتها القلِقة عليها لتخبرني أنّ الوضع استقرّ، والكانتينا مجمّدة كعقاب، حالها حال زيارات الأهل.

حدّثتني أنّهن سمعن أم يافا على راديو “فلسطين” و”أجيال” يوم الجمعة ممّا رفع من معنويّاتهن. تحدّثت عن التنقّلات والتغييرات المستمرّة وتطبيق قرار المحكمة بالنسبة للمساحة المسموحة لكلّ أسير.

الصراع مع الإدارة مستمرّ لتعود شروق نائبة لمرح كممثّلة للأسيرات رغم أنف السجّان، وملك تنوب عنها مؤقّتًا. ضايقهن عدم تمكّنهن من مشاهدة البث على شاشة تلفزيون فلسطين بسبب القمعة (فقرة الأسيرات المقدسيّات – مع الأهالي) ووعدتها بالتواصل مع كرستين ريناوي لبثّه من جديد.

 الوضع الأخير كركَب الأمور لكن رغم أن القمعة قويّة فالمعنويات أعلى.

 تتوق للحياة الحقيقيّة وحياة الجامعة وممرّاتها … ولمّة الكافيتريا.

علّمها السجن الكثير الكثير واستفسرت إن حضّرت لها أعمال الأسير كميل أبو حنيش الكاملة كما وعدتها كهديّة تحرّرها؟ قرّبت! فأجبتها أنّها تنتظرها مع إصدارات الأسرى الأخيرة؛ منذر، أحمد، ناصر، ثائر، أيمن، أمجد، قتيبة، أسامة، معتز، وغيرهم.

“مشتاقة للياسمينة”

بُعيد لقائي بإسراء وربى، أطلّت الأسيرة المقدسيّة شروق صلاح دويات، ضاحكة ضحكة واثقة، نقلت لي سلامات زميلاتها، وبادرت تحدّثني عن فترة العزل في الجلبوع برفقة مُنى، أحلى فترة منذ أسرها حيث تمتّعت بجمال البلاد؛ شافت السماء والجبال والخَضار والعصافير.. والغروب دون شبك وقضبان، تمتّعت بالسماء الحقيقي!

فرحَت حين أخبرتها بأن آلاء استلمت وظيفة جديدة، ورغبتها بأن تعيّد على أخيها أحمد (من أول الشهر بحكي لحالي، عيد ميلاد أخوي هذا الشهر) ومشتاقة لوسام وصلاح وزايد والعائلة وبدها تسمعهم  دائمًا ع الراديو لتطمئن عليهم.

حدّثتني بعفويّة عن طقوس “تشميس الشعر” من ضوء الشمس الذي يخترق طاقة زنزانة رقم 11 التي أُغلقت وكانت محورًا أساسيًا من مسبّبات القمعة.

حدّثتني عن الطيور المهاجرة حين تعبُر فوق السجن، يصير منع تجوّل اختياري لمشاهدتها لتتساءل بينها وبينها: “هل مرّت هذه الطيور بأهلي وببيتي وحارتي؟ هل مرّت من فوق ياسمينتي؟”. تتوق لعناق شجرة الأسكدنيا والمشمشة (والفرع الداخل للمطبخ و”سرقة” الحبّات الخُضُر) والياسمينة في حاكورة بيتها وخوفها أن يقصّ أهلها الياسمينة قبل تحرّرها!

خبّرتني عن الشنطة الجاهزة مع أواعي الترويحة حين سماعها بمفاوضات التبادل وجاءتني بقجة الأهل في الشتات بانتظار العودة المشتهاة.

وعدتها بزيارة حاكورتها فقالت بعفويّة: “بعد ما نوكل السمكات على شطّ بحر حيفا”.

عزيمتها تعانق السماء.

فترة العزل قوّتها وجعلتها تخلط الأوراق من جديد، وأغلقت دائرة مفتوحة في درب الحريّة.

لكُنّ عزيزاتي: إسراء، ربى، شروق، أحلى التحيّات، الحريّة لكُنّ ولجميع رفاق ورفيقات دربكُن الأحرار.


كانون أوّل 2021

العزيمة تُربّي الأمل

التقيت عصر الأربعاء 22 كانون أوّل 2021 في سجن الدامون في أعالي الكرمل بالأسيرة المقدسيّة أماني خالد الحشيم، أطلّت ضاحكة ضحكة منتفضة، استفسرت “جيت بالسيّرة الزرقة الكشِف تروّحني؟” وبدأت تسرد ما جرى في السجن في الأيام الأخيرة، وبدأت حملة الاحتجاج على أثر النقل التعسّفي للأسيرات من غرفة لأخرى والتهديد بإغلاق غرفة 11 وحرمانهن من التجوال في رحاب الكرمل عبر طاقتها، وصُعّدت بعد عزل مرح وشروق ومنى، وما وراء حملة التنكيل ضرب مشروع التعليم والتعلّم للأسيرات وأخبرتني عن إعلان إيمان ونورهان وميسون وشاتيلا الإضراب عن الطعام.

تبادلنا التحايا؛ أوصلتها سلامات الوالدة والأبناء وحسام، وأوصلتني بدورها سلامات الصبايا.

تناولنا نشاط “نشطاء من أجل أسيرات الدامون” وأثره على الأسيرات و”التحالف الأوروبي لمناصرة أسرى فلسطين”.

حدّثتني عن القراءة الجماعيّة لكتاب “أسرى وحكايات” للصديق أيمن الشرباتي (المواطن)، وناقشنا مشروعها الكتابيّ؛ “العزيمة تُربّي الأمل”، نجحت المخطوطة باختراق القضبان، ووعدتها العمل على مراجعته وتحريره ومن ثم إصداره يوم عيد ميلاد أحمدها، 27 يناير.

حدّثتني عن لحمة الأسيرات وتكاتفهنّ لعبور الأزمة، ثباتهن وعزيمتهم ومعنويّاتهن العالية. 

بدل أن أشدّ من عزيمتها وجدتها تمدّني بالطاقة والحماس.

هاي مجرّد كدمات وبتروح

بُعيد لقائي بأماني أطلّت عليّ الأسيرة المقدسيّة إيمان نعيم الأعور، أطلّت ضاحكة ضحكة استفزّت السجّان المرافق وأربكته، بدأت مباشرة تقصّ على مسامعي ما جرى في السجن في الأسبوع الفائت، قسوة وجبروت السجّان والعنف الذي مارسه تجاهها وزميلاتها وآثار 3 بوكسات على الوجه والعين ومخالب/ أظافر السجّانة عالقة على كتفها اليمين ورغم هذا “المعنويّات فولاذ والصحّة حديد وهاي مجرّد كدمات وبتروح”. 

بدأت حملة احتجاج جماعيّة مع زميلاتها وأخبرتني عن إعلانها ونورهان وميسون وشاتيلا الإضراب عن الطعام صباح اليوم إلى حين تتحقّق مطالبهن، وأهمّها إنهاء عزل مرح وشروق.

أوصلتها سلامات العائلة، الهديّة التركيّة التي تنتظرها من هيام، ولادة هبة المنتظرة بعد يومين وهي بعيدة عنها، تخرّج هداية وأحوال الحج عبد والشباب والبنات.

استفسرت عن صديقتها أم بَيِّنَة الزعتريّة التي كتبت: “في حضرة الليل ينام الجميع وتهدأ الأصوات ويصحو صوت الحنين لا أسمع في دجى الليل إلا صوتك يهدهد عتم ليلي الذي زاد سوادا بغيابك..” لتطمئنها بدورها “مخزّنة كلّ شي بذاكرتي لئلّا يسرقها السجّان ويصادرها ومشتاقتلك يا …”.

استفسرت عن النشاط والوقفات جانب السجن فأخبرتها عن نشاط “نشطاء من أجل أسيرات الدامون” ونقلت لها تحايا “التحالف الأوروبي لمناصرة أسرى فلسطين”.

بعثت سلامات لأمها وزوجها والأولاد وأخوتها، مباركة لهداية بالشهادة، وآملة بالسلامة لهبة والمولود المنتظر.. ولِكِنّتها غدير بمناسبة عيد ميلادها.

من أين لك هذا التفاؤل وهذه الطاقة والقوّة يا إيمان! 

الميمَعة

بُعيد لقائي بأماني وإيمان أطلّت عليّ من غرفة العزل الأسيرة مرح جودة موسى بكير، أطلّت مرِحة ضاحكة، وقبل أن تصلني لمحَت في المَمرّ أسيرة جديدة وصلت للتوّ، نفوذ حمّاد، فوقفت لتطمئنّ عليها وتطمئنها، بدأت تسرد لي ما مرّت به وزميلاتها في الأسبوع الفائت، ولكن كلّ محاولات السلطات لم تحبط عزيمتها ولم تكسر شوكتها، وهي في غرفة العزل برِفقة زميلتها شروق دويّات (عزل مُنى انتهى يوم الاثنين)، تعمل على إرجاع الأدوات الكهربائيّة التي صودرت، إعادة فتح غرفة 11، وتحصيل التليفونات العموميّة للتواصل مع الأهل وخاصّة بعد منع الزيارات لأسباب واهنة.

طمأنتني مرارًا وتكرارًا على شروق وحدّثتني عن المفاوضات لإنهاء العزل وتهدئة الأمور، والتواصل مع عمّار ومُصعب، ووعدوها بأنّ الأمور ستُحلّ في الساعة القريبة أو بالكثير صباح الغد.

الليّ صار ظلم بظلم، علّمها الكثير وتواعدنا أن نكتب كتابًا مشتركًا نسمّيه “الميمعة”.

حين سألتها سرّ الضحكة الملازمة أجابتني بعفويّة مطلقة: “لكلٍّ من اسمه نصيب. وأنا اسمي مرح. اسم على مسمّى”.

تثمّن عاليًا كلّ مجهود يُبذل من أجل أسرانا، قلقانة ع الشباب، وتشكر كلّ من يتذكّر أن هناك أسرى خلف القضبان ويفكّر بهم.

طلبت أن أوصل رسالة لوالدتها: “مرح كيف بتعرفيها. تِربايتِك”.

أوصلتها تحيّات “التحالف الأوروبي لمناصرة أسرى فلسطين” والمؤتمر القادم في بداية حزيران في مالمو/ السويد وأعربت عن رغبتها بالمشاركة “ويا ريت وجاهي!!”.

لكُنّ عزيزاتي: أماني، إيمان، مرح، أحلى التحيّات، الحريّة لكُنّ ولجميع رفاق ورفيقات دربكُن الأحرار.


كانون أوّل 2021

“بحث عن النفق”

التقيت ظهر يوم الخميس 9 كانون أوّل 2021 في سجن الدامون في أعالي الكرمل بالأسيرة منى حسين قعدان، وبعد التحيّة وإيصال السلامات بدأت تحدّثني عن بحثها الجديد عن النفق ومقارنته بالهروب من سجن غزّة المركزي، وشغفها بالأبحاث، فأتمّت دراسة الماجستير، ولها عدّة أبحاث حول المرأة في الإعلام، دور المرأة في السياسة، الوضع الصحّي للمرأة في السجون، والمساندة الاجتماعية ودورها على صمود زوجات الشهداء وغيرها.

تحدّثنا عن “ترانيم اليمامة” والكتابة الجماعيّة ودور ابتسام أبو ميالة (خلّتنا نطلّع أشياء صعب تطلع لحالها) والندوة حوله ضمن مبادرة “أسرى يكتبون”.

تحدّثنا عن التظاهرة الشبابيّة (نشطاء من أجل أسيرات الدامون) يوم السبت بجانب السجن، كان الصوت واضحًا جدًا وكلّ أسيرة سمعت اسمها عبر مكبّرات الصوت والزمامير وانبسطن جدًا (ويا ريت تلفزيون فلسطين يتابع ويوثّق) ورفع الأمر من معنويّاتهن، فهناك من يذكرهن ويخرجهن من عالم النسيان.

حدّثتني عن طقوس طبخ صينيّة الباذنجان (أكلة اليوم)، وكيفيّة تحويل الملوخيّة الناشفة لخضرة، ونكهتها الخاصّة.

حدّثتني  عن القراءة داخل السجن وأهميّة مبادرة “لكلّ أسير كتاب”، فالأسيرة تنبسط لدخول كتاب أكثر من الزيارة، واهتمامها بالكتابة، فكلّ اعتقال بدّو كتاب وله ظروفه وخصوصيّته (هذا الاعتقال السادس لها).

“وقفة جانب الدامون”

بعد لقائي بمنى أطلّت الأسيرة تسنيم محمد الأسد بابتسامة طفوليّة عريضة رغم الكمّامة الكورونيّة التي ترافقها، أوصلتني سلامات رحمة وبادرت بسؤالها عن سرّ  تلك الابتسامة فأجابت بعفويّة: “يوم السبت سمعت زمامير وأصوات ناس عبر مكبّرات الصوت  بتنادي باسمي وانبسطت كثير، أنا والصبايا” فأخبرتها أنّ مصدر هذه الأصوات وقفة شبابيّة (نشطاء من أجل أسيرات الدامون) جانب السجن، شملت كعكة عيد ميلاد لروان أبو زيادة، رحمة الأسد وفدوى حمادة.

حدّثتني عن حياة الأسر قُبيل بداية تعليمها العالي، وها هي تتقوّى بالإنجليزية للالتحاق بالجامعة حين تحرّرها، تقرأ وتمارس الرياضة وتدرس الإسبانيّة، وتعلم العبريّة لمجموعة بنات.

حدّثتني  عن اهتمامها بكتابات وليد الهودلي، وبحاجة لكتب تاريخ وفلسفة وعلم نفس، وعن خواطر بدأت تكتبها.

صعبت الأمور في الفترة الأخيرة (رغم الاعتقال منذ 17.12.2017) بسبب الانقطاع وعدم إمكانيّة التواصل مع العالم الخارجي ومنع الزيارات في الفترة الأخيرة، وكذبة سلطة السجون حول أعمال الصيانة المستمرّة لفترة طويلة في غرفة الزيارة، فمنع الاتصال بغيض وقاسي وهن بصدد تصعيد الاحتجاج إذا لم يفكّ المنع والحصار.

“مشتاقة رغم المسافات”

بُعيد لقائي بمُنى وتسنيم، أطلّت الأسيرة المقدسيّة شروق صلاح دويات، تلازمها ابتسامة واثقة، وبادرت قائلة: “بستنّى أكلة السمك الموعودة على البحر” مقصّرةً للمسافات ومبدّدة غبش الزجاج الفاصل بيننا.

حدّثتني عن صعوبة الأمور في الفترة الأخيرة لمنع الزيارات والمماطلة في أمر السماح بتجديدها والمحادثات المراتونيّة مع الإدارة والتهديد بخطوات تصعيديّة لفك الحصار، فالأمر لم يعُد يُطاق، وخاصّة الأمّهات، وانقطاع إمكانيّة التواصل مع العالم الخارجي وادّعاء سلطة السجون حول أعمال الصيانة المستمرّة في غرفة الزيارة فرية لا تنطلي على أحد. 

معنويّاتها عالية وتعمل مع زميلاتها لتحصيل حقّهن بالاتصالات مهما كلّف الأمر، والمسافات لن تمنعها من التعبير عن اشتياقها للجميع الذي يزداد يوماً بعد يوم آملة بتحرّر قريب كي لا تحتاج لاتصالات. 

أوصلتني سلامات زميلاتها وانفعالهن من الوقفة الشبابيّة (نشطاء من أجل أسيرات الدامون) جانب السجن، وسماع أسمائهن عبر مكبّرات الصوت.

تقرأ شروق وتدوّن خواطرها، وتحلم بغدٍ مشرق مضيء يبدّد عتمة الزنازين فالحريّة قريبة.

لكن عزيزاتي: منى، تسنيم، شروق، أحلى التحيّات، الحريّة لكُنّ ولجميع رفاق ورفيقات دربكُن الأحرار.


كانون أوّل 2021

error: Content is protected !!