حسان البلعاوي
قال المحامي اليكسي دوسواف، الرئيس الفخري لرابطة حقوق الانسان في بلجيكا، ونائب رئيس الفيدرالية الدولية لحقوق الانسان، ان القضية الفلسطينية هي الاقدم في المنطقة والاكثر وضوحا في القانون الدولي لأنها تمثل القضية الاكثر انتهاكا للعدالة على المستوى الانساني بأجمعه، وبها تتركز كل اشكال انتهاك القانون الدولي، مما يجعل منها قضية عالمية .
تعرف دوسواف على القضية الفلسطينية عندما كان طالبا في كلية الحقوق في جامعة لوفان لونوف البلجيكية ، في مطلع تسعينات القرن الماضي ، وكان مهتما اكثر بالقانون الدولي ومتابعا للسياسة الدولية وكان يقرا الجرائد والكتب بشكل دائم، مضيفا انه تعرف على طالب فلسطيني قادم من قرية وادي فوقين قرب بيت لحم، واسمه رائد عطية، والذي لعب دورا محفزا في التعرف اكثر على القضية الفلسطينية منذ نشأتها وادراك تفاصيلها التاريخية ، ومنذ ذلك التاريخ بدا يتابع الشأن الفلسطيني وينشط بالحركات التضامنية المؤيدة لفلسطين.
واعتبر دوسواف، ان قطاع غزة من وجهة نظر القانون الدولي ، مازال تحت الاحتلال، رغم اعادة انتشار جيش الاحتلال الاسرائيلي في عام 2005، واجلاء مستوطنيه، بحكم ان كل منافذ قطاع غزة الجوية والبحرية والارضية حتى الان بقيت تحت السيطرة الكاملة لجيش الاحتلال والذي شن عدة حروب دموية عليه .
واشاد دوسواف بالمعركة القانونية التي تخوضها فلسطين في مواجهة قوة الاحتلال وحليفها الرئيسي الادارة الامريكية، مسلحة بكافة المواثيق والمعاهدات الدولية الخاصة بالقانون الدولي والانساني قائلا انه” قد لا تستطيع فلسطين بحكم الخلل الفادح في موازين القوى، تحقيق الانتصار الكبير ، لكنها تنجز على مدار السنوات الاخيرة، انتصارات صغيرة تودي في نهابة المطاف الانتصار الكبير بانتزاع حريتها “، مشيرا “لانضمام فلسطين لمحكمة الجنايات الدولية، وتقديمها لعدد من الملفات القضائية ضد قادة الاحتلال باعتبارها قضايا تتعلق بجرائم حرب، والقرارات الهامة التي تنتزعها فلسطين في مجلس حقوق الانسان”
ويرى انه مع ذلك يجب على دولة فلسطين بالتوجه الى المحاكم داخل الدول الاوروبية ايضا، مشيرا الى التجربة في بلجيكا ومحاولات سابقة لمحاكمة جرائم حرب بحق الشعب الفلسطيني ، باعتماد قانون سابق في بلجيكا باسم الصلاحية القضائية الدولية والذي يتيح محاكمة أي شخص متهم بارتكاب جرائم حرب وضد الإنسانية بغض النظر اذا كان المتهم او الضحية بلجيكيا او كان مكان الجريمة بلجيكا ، وقد تقدم بهذا القانون ، النائب البلجيكي الحالي الليبرالي في البرلمان الأوروبي لوي ميشيل ، وهو نفسه الذي كان نائبا لرئيس الوزراء بلجيكا ووزير الخارجية ( وهو والد شارل ميشيل رئيس المجلس الأوروبي ورئيس وزراء سابق لبلجيكا ) في عام 1999 ، وقد تم اعتماده من قبل البرلمان الفيدرالي البلجيكي ، وقد تم بالفعل ملاحقة عدد من المسؤولين في دول افريقية وتقديمهم للعدالة البلجيكية ولكن عندما وصل الامر في عامي 2002 و2003 بطلب محاكمة الرئيس الأمريكي جورج بوش لمسؤوليته عن جرائم حرب وضد الإنسانية في العراق وأفغانستان ومحاكمة رئيس الوزراء الإسرائيلي اريل شارون لمسؤوليته عن مجزرة صيرا وشاتيلا عام 1982 ، مورست كل الضغوطات والتهديدات الامريكية والإسرائيلية على بلجيكا لإلغاء هذا القرار او تعديله ، وكان من ضمن التهديدات نقل مقر الحلف الأطلسي من بروكسيل الى عاصمة أوروبية أخرى ، وامام هذه التهديدات رضخت الدولة البلجيكية ، فقامت بإدخال تعديل على القانون بحيث يربط أي ملاحقة في بلجيكا بمعنى ان يكون الضحية او المتهم هو بلجيكا او يسكن بلجيكا او ان يكون مكان وقوع الجريمة بلجيكا وهو لم يكن متوفرا لا في ملف جرائم أمريكا في العراق او أفغانستان ولا في ملف جريمة صبرا وشاتيلا ، وبالتالي تم اغلاق الملفين .
وفي هذا السياق، نجح دوسواف مع عدد من زملائه المحامين البلجيكيين في اثارة قضية مواطن فلسطيني من قطاع غزة يحمل الجنسية البلجيكية ، والذي حرق الطيران الحربي الإسرائيلي مزرعته بالفسفور ، خلال عدوان 2009 ، وهو ما يشكل بنظر المحامين البلجيكيين ، جريمة حرب مكتملة الأركان، وعليه تم تقديم الشكوى امام القضاء البلجيكي، وتم تحديد قاضي يتابع الملف وبدا التحقيق واخذ وقتا، وهذا امر متوقع ، حتى نجح دوسواف وزملائه في 2017 ، بإقناع النائب الفيدرالي البلجيكي بالاستماع لوزيرة الخارجية الإسرائيلية السابقة تسيبي ليفني، خلال زيارتها والتي كانت مقررة لبلجيكا وذلك لأنها كانت على قائمة الأشخاص الموجه لهم التهمة في جريمة قصف مزرعة المواطن البلجيكي من اصل فلسطين في غزة ، وعلى اثر ذلك قررت الغاء رحلتها لبروكسيل .
ويرى الرئيس الفخري لرابطة حقوق الانسان في بلجيكا ان ما حدث مع ليفني يشكل انتصارا صغيرا ، خاصة وانها الغت بعد اشهر زيارة لها لبريطانيا ، وهو ما يدل ان المسؤولين الإسرائيليين يأخذون على محمل الجد ما يمكن ان ينتج عن شكاوي يتم تقديمها امام المحاكم الأوروبية ليصل الى قناعة بضرورة تكرار الشكاوي، سواء من قبل مواطنين فلسطينيين يحملون جنسيات اوربية او برفع دعوات على اشخاص إسرائيليين متورطين بجرائم حرب ويحملون جنسيات أوروبية ، كما هو الحال مع مواطنة بلجيكية يهودية تحمل الجنسية الإسرائيلية تفاخر علنا انها تتراس منظمة أهلية تعمل على دعم الاستيطان الإسرائيلي في الضفة الغربية ، وتم فتح ملف قضائي لها امام العدالة البلجيكية منذ عام ونصف، وتم تحديد قاضي تحقيق يتابع ملفها ومن المتوقع ان يطلب القاضي الاستماع لها بمشاركتها في جريمة حرب وهي الاستيطان، وقد تم تزويد القاضي بملف كامل من 70 صفحة عن الاستيطان كفعل مخالف للقانون الدولي وبالتالي كجريمة حرب مكتملة الأركان ، وهذا التحرك تجاه الاستيطان من هذه الزاوية هو مكمل للتحرك الفلسطيني في محكمة الجنايات الدولية.
ويطلق نائب رئيس الفيدرالية الدولية لحقوق الانسان على هذه المحاولات مصطلح “حرب عصابات قضائية” في كل مكان تقود الى وضع حد للحصانة التي تحظى بها الحكومة الإسرائيلية وجيشها ، وتجعل من المسؤولين الإسرائيليين المتورطين بجرائم حرب أشخاصا مطاردين في العالم اقرب للمنبوذين ، و ” حرب العصابات القضائية ” تأخذ وقتا وتتطلب أيضا إمكانيات هامة بمها فيها الإمكانيات المالية .
في هذا السياق يبن القانوني البلجيكي الانجازات التي تحققها العديد من المبادرات الاهلية الاوروبية المتضامنة مع فلسطين على المستوى القانوني ، ومنها بالخصوص محكمة راسل حول فلسطين وهي محكمة رأي شعبية، تأسست في مارس 2009 من أجل تعبئة الرأي العام حتى تقوم الأمم المتحدة والدول الأعضاء من اتخاذ التدابير اللازمة لوضع حد لإفلات اسرائيل من المحاسبة الدولية على الجرائم التي ترتكبها، حيث عقدت هذه المحكمة عدة مؤتمرات كان اخرها في بلجيكا في ايلول 2014 ، في تدعيم حملات المقاطعة ضد اسرائيل والتي حققت نتائج ملموسة في قطع عدد من البلديات والجامعات الاوروبية والبلجيكية علاقات تقيمها بعض المؤسسات مع الاستيطان الاسرائيلي .
وفي عام 2012 وبدعوة من سفارة فلسطين في بلجيكا توجهت بعثة من 10 محامين بلجيكيين ، كان دوسواف احدهم ، الى فلسطين للاطلاع على الأوضاع بشكل ميداني ، لمدة 10 أيام تعرفت البعثة خلالها على كافة جوانب القضية الفلسطينية ، وعلى معاناة الشعب الفلسطيني جراء سياسات الاحتلال من استيطان ومصادرة اراضي وحصار ، وكان دوسواف يسجل في كل يوم ملاحظات صاغها في تقرير يومي يغطي كل جوانب القضية، وعندما عاد الى بروكسيل وضع هذه التقارير بكتاب حمل عنوان “اسرائيل ـ فلسطين : في عمق الانحطاط ، 10 ايام من اجل الفهم”. وقد تعرض المحامي دوسواف الى حملة إعلامية شرسة من الأوساط المؤيدة لإسرائيل باتهام كتابه ، بأنه معاد للسامية .
الزيارة الأخير التي قام بها دوسواف لفلسطين كانت في أيلول 2022 ، بصفته نائب رئيس الفيدرالية الدولية لحقوق الانسان ، وذلك للتضامن مع منظمة ” الحق ” القانونية في فلسطين والتي يحتل رئيسها شعوان جبارين ، موقع الأمين العام للفيدرالية والتي تضم 187 منظمة في العالم ، عندما أعلنت سلطات الاحتلال منظمة ” الحق ” مع سته منظمات أهلية فلسطينية كمنظمات إرهابية ، وقد شارك في هذه الزيارة ممثلين عن منظمتي ” العفو الدولية ” و ” هيومن رايتس ووتش ” وقد عقد الوفد الحقوقي الدولي مؤتمرا صحفيا في منظمة ” الحق ” والذي اغلقته سلطات الاحتلال ووضعت الشمع الأحمر ، متحديا لقانون احتلالي إسرائيلي صادر في عام 2015 والذي بموجبه يتم اعتبار كل شخص يتواجد داخل مقر منظمة مصنفه انها ” إرهابية ” بانه ” إرهابي ” .