تغريد سعادة
تصادف، اليوم السبت، الحادي عشر من مارس الذكرى الـ 45 لاستشهاد المناضلة الفلسطينية دلال المغربي والملقبة بعروس يافا.
قادت دلال عملية خطف حافلة جنود الاحتلال عام 1978 مع 12 فدائيا، أدت إلى مقتل 36 إسرائيليا، واستُشهدت هي في العملية مع عدد من الفدائيين كانوا معها.
والمناضلة المغربي ولدت عام 1958 في مخيم اللاجئين صبرا القريب من بيروت، من أم لبنانية وأب يافاوي الأصل، ومن الفلسطينيين الذين لجأوا إلى لبنان في أعقاب النكبة عام 1948. وهي الابنة الثانية في اسرة من سبعة ابناء.
تلقت دراستها الابتدائية في مدرسة يعبد ودرست الإعدادية في مدرسة حيفا وكلتا المدرستين تابعة لـوكالة غوث اللاجئين الفلسطينيين في بيروت.
في عام 1972 انضمت إلى فتح وبدأت العمل في خدمة اتصالات المنظمة. وهي على مقاعد الدراسة. نشطت في تنظيم الثانويات الذي قاده علي أبو طوق وأصبحت لاحقًا من كوادر الكتيبة الطلابية. تلقت المغربي العديد من الدورات العسكرية ودروسا في حرب العصابات، تدربت خلالها على أنواع مختلفة من الأسلحة.
وفي عام 1978 قادت مجموعة فدائيين من 12 فدائي لتنفيذ عملية كمال عدوان، ثأرا لمقتل المسؤول في منظمة التحرير الفلسطينية الذي اغتيل مع كمال ناصر وابو يوسف النجار في عملية كوماندوس اسرائيلية قادها ايهود باراك، رئيس الوزراء الاسرائيلي السابق، في قلب بيروت العام 1973.
“فرقة دير ياسين” وهو اسم الفرقة التي نفذت العملية، ووضعت الخطة على يد الشهيد القائد في حركة فتح خليل الوزير (أبو جهاد)، وكانت تقوم على أساس القيام بعملية إنزال على الشاطئ الفلسطيني والسيطرة على حافلة عسكرية، والتوجه لمبنى الكنيست، وقد تم اختيارها رئيسة للفرقة.
ويوم 11 آذار 1978 نزلت دلال مع فرقتها الفدائية. ركبت مجموعة دير ياسين سفينة نقل تجارية تقرر أن توصلهم إلى مسافة 12 ميل عن الشاطئ الفلسطيني ثم استقلت المجموعة زوارق مطاطية تصل بهم إلى شاطئ مدينة يافا القريبة من تل أبيب حيث مقر البرلمان الهدف الأول للعملية.
غير أن رياح البحر المتوسط كانت قوية في ذلك اليوم فحالت دون وصول الزوارق إلى الشاطئ في الوقت المحدد لها، الأمر الذي دفع بالزورقين المطاطيين إلى البقاء في عُرض البحر ليلة كاملة تٌقاذفها الأمواج حتى الصباح ووصلوا إلى الشاطئ في منطقة غير مأهولة ونجحت عملية الإنزال .
تقول الادبيات الفلسطينية عن العملية اثنان من الفدائيين غرقا في عرض البحر قبل العملية .
ونجحت دلال وفرقتها في الوصول إلى الشارع العام المتجه نحو تل أبيب ثم تجاوزت مع مجموعتها الشاطئ إلى الطريق العام قرب مستعمرة (معجان ميخائيل) حيث تمكّنت المغربي ومجموعتها من إيقاف سيارة باص كبيرة بلغ عدد ركابها ثلاثين راكبا وأجبروها على التوجه نحو تل أبيب. في أثناء الطريق استطاعت المجموعة السيطرة على باص ثاني ونقل ركابه إلى الباص الأول وتم احتجازهم كرهائن ليصل العدد إلى 68 رهينة.
تقول الادبيات المنقولة عن العملية ان دلال خاطبت الرهائن وقالت لهم، ان شعب يطالب بحقه بوطنه الذي سرقتموه ما الذي جاء بكم إلى أرضنا؟ وحين رأت دلال ملامح الاستغراب في وجوه الرهائن سألتهم: هل تفهمون لغتي أم أنكم غرباء عن اللغة والوطن!!! وكان من بين الرهائن فتاة قالت إنها يهودية من اليمن تعرف العربية، فطلبت دلال من الفتاة أن تترجم ما تقوله للرهائن وتابعت: لتعلموا جميعا أن أرض فلسطين عربية وستظل كذلك مهما علت أصواتكم وبنيانكم على أرضها. ثم أخرجت دلال من حقيبتها علم فلسطين وقبلته ثم علقته داخل الباص وهي تردد…. بلادي… بلادي… بلادي.. لك حبي وفؤادي، فلسطين يا أرض الجدود … إليك لا بد أن نعود.
عند هذه المرحلة اكتشفت قوات الاحتلال الإسرائيلية العملية فنشرت جيشها وحرس الحدود لمواجهة الفدائيين وسعت لوضع الحواجز في جميع الطرق المؤدية إلى تل أبيب لكن الفدائيين تمكنوا من تجاوز الحاجز الأول ومواجهة عربة من الجنود وقتلهم جميعا.
الأمر الذي دفع بقوات الاحتلال إلى المزيد من تكثيف الحواجز حول الطرق المؤدية إلى تل أبيب غير أن الفدائيين استطاعوا تجاوز حاجز ثان وثالث حتى أطلّوا على مشارف تل أبيب، لكن قوات الاحتلال صعدت من إمكاناتها العسكرية بمزيد من الحشود لمواجهة الفدائيين فتمركزت الآليات العسكرية المدرعة قرب ناد ريفي اسمه (كانتري كلوب) وأصدر باراك المواجه للعملية آنذاك، أوامره بإيقاف الباص بأي ثمن.
فعملت قوات الاحتلال على تعطيل إطارات الباص ومواجهته بمدرعة عسكرية لإجباره على الوقوف. حاولت المجموعة الفدائية مخاطبة الجيش بهدف التفاوض وأملا في ألا يصاب أحد من الرهائن بأذى، لكن جيش الاحتلال أعلن عبر مكبرات الصوت أن لا تفاوض مع جماعة (المخربين) وأن عليهم الاستسلام فقط.
استشهدت المغربي ومعها عدد من الفدائيين بعد أن كبّدت جيش الاحتلال حوالي (36 قتيلا وأكثر من 80 جريحا) كرقم أعلنته قوات الاحتلال، ويقال ان ثلاثة من الفدائيين اسروا، واشار احدهم للاحتلال عن قائد المجموعة المغربي، والاسرى هم “حسين فياض وخالد أبو أصبع، ويحيى سكاف”.
تحرر أبو أصبع وفياض في صفقة التبادل الشهيرة عام 1985، والمعروفة باسم اتفاقية جبريل أو عملية الجليل، وكانت بقيادة الراحل احمد جبريل القيادة العامة الذي قاد تنظيمه الصفقة.
والى الان لا يعترف الاحتلال انه اعتقل سكاف، ولا يُعرف إن كان قد استشهد في العملية ونقل جثمانه إلى مقابر الأرقام، أم بقىّ حياً داخل جدران زنازين السجون السرية، فيما يعتقد الكثيرون بأنه لا يزال حياً بالاستناد إلى المعلومات المستمدة من عدد من الأسرى الذين أطلق سراحهم لاحقا. وسكاف مقاوم من بلدة بحنين شمال لبنان.
وبعد العملية وامام وسائل الاعلام ظهرت صورة باراك وهو يقلب جثة الشهيدة المغربي ويشدها من شعرها بعد أن اشرف بنفسه على خردقة جسدها بالرصاص.
وقد تركت دلال وراءها وصية بخط يدها تطلب فيها من رفاقها المقاومة حتى تحرير كامل التراب الفلسطيني.
منع الاتحاد الاوروبي تسمية مراكز باسمها يقوم هو بتمويلها في فلسطين، ومارست ضغوطات على السلطة الفلسطينية لالغاء احتفالا لها، وفي عام 2016 قدمت حكومة الاحتلال شكوى إلى الأمم المتحدة ضد السلطة الفلسطينية لاحتفائها بذكرى استشهاد المناضلة المغربي.
وفي صفقة تبادل الاسرى بين حزب الله والاحتلال عام 2008 ، كانت المغربي على قائمة الجثامين التي طالب بها الحزب ووافق الاحتلال عليها، ولكن فحوص الحمض النووي (DNA) أظهرت عدم إعادة جثمانها.
وقالت الصحف الإسرائيلية حينها أن جيش الاحتلال يرفض الكشف عما حدث في مقبرة «شهداء العدو» في منطقة جسر آدم في غور الأردن في يوم تبادل الأسرى مع حزب الله عندما حضر مندوبو الحاخامية العسكرية لاستخراج جثة المغربي ورفاقها مجدداً بعد محاولة سابقة العام 1994.
وقالت الصحف العبرية حينها إلى أنه تم العثور على جثث لأربعة رجال تم تسليمها إلى حزب الله لكنهم لم يعثروا على جثة المغربي وخمسة آخرين من رفاقها.
وفي عام 1994 ذكرت تقارير عبرية أن شقيق أحد الشهداء الذين كانوا مع المغربي طلب من الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات التدخل لدى إسرائيل لكي تعيد له جثة شقيقه الذي استشهد مع المغربي.
وكشفت بأن رئيس الوزراء الإسرائيلي إسحق رابين وافق على الطلب ليتجه فريق من «الحاخامية العسكرية» المسؤولة عن دفن الشهداء الفلسطينيين والعرب إلى المقبرة وحفروا بعمق أمتار تجاوزت الثلاثة «دون أن يعثروا على أية جثة».
ويعتقد المسؤولون الفلسطينيون ما زالت حتى الآن تحتجز سلطات الاحتلال جثمان الشهيدة المغربي في “مقابر الأرقام”.








